السبت، 28 يوليو 2012

الظلم ظلمات يوم القيامة 2-3


الظلم ظلمات يوم القيامة 2-3

(المسلم والمؤمن لا يشرك بالله، ولا يؤمن بغير الله وحده وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)

  لقد تناولنا في الحلقة السابقة خطورة الظلم على المجتمع وذكرنا العديد من الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية المطهرة، والأقوال المأثورة التي يتبين لنا جلياً عدالة الإسلام الناصعة التي تذم (الظلم) لا سيما (ظلم) الإنسان لغيره من العباد والمخلوقات حيث قال الله سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله الكريم في الحديث القدسي (يا عبادي! اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) الآية 59 سورة الكهف، وقال سبحانه (مَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) الآية 76 سورة الزخرف، وقال:( وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الآية 57 سورة آل عمران .
  وديننا الإسلامي الحنيف سعى من خلال تعاليمه القيمة وتشريعاته الناصحة إلى تهذيب المجتمع وحذرنا من الظلم وعواقبه الوخيمة لأنه يجلب غضب الرب سبحانه وتعالى ويتسبب في شتى أنواع العذاب وهو يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، و (الظالم) يحرم شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها يوم القيامة وهو بذلك يخسر الدنيا والآخرة جراء ظلمه للآخرين .
  فالظلم قبيح من كل الناس ولكن قبحه أشد وعاقبته أضر إذا صدر من المسئولين وولاة الأمر ومن أوكلت لهم أمانة المسئولية، حيث يصعب رفعه عنهم وإزالته منهم، لما لهم من سلطة وصلاحيات وسطوة، ولأن من أهم حقوق الرعية على الرعاة دفع الظلم عنهم، وحماية الضعفاء من جور الأقوياء، ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه عندما ولي الخلافة :"الضعيف منكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه" لأن ظلم ولاة الأمر يجرئ على أتباعهم وأعوانهم وحاشيتهم على الظلم ويدفعهم إليه دفعاً وتتمثل خطورته لما لهم من السلطة والمكانة والحظوة واستغلال النفوذ.
  وذكر في الأثر أن ظلم هؤلاء يجلب القحط والعدم ونزع البركات في كل شيء ومحق في الأقوات والثمرات والأوقات وأن عدلهم يبسط الأمن والبركة  في الأرزاق والأقوات والأوقات ومن هنا تكمن أهمية أن يتحرى حكام الأمة الإسلامية العدل وأن يعوا ذلك ويفهموه وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية الصحيحة والصريحة والسيرة المضيئة للنبي صلى الله عليه وسلم التي سلكها الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون من بعده من هذه الأمة في عصور الإسلام المختلفة، حيث كان العدل رائدهم والإنصاف مقصدهم بل لم يكن عدلهم قاصراً على المسلمين فحسب بل شمل أهل الذمة والمعاهدين ونحوهم .
  وما أحوجنا في عالم اليوم إلى العدل الذي به قامت السموات والأرض، وبالعدل يصلح الراعي والرعية، وبالعدل تسعد البشرية وتأمن الرعية ولكن للأسف نجد بينما اليوم بعض الحكام المسلمين ينالون من بعض إخوانهم المسلمين مالم ينله منهم الكفار المعاندون، بل إن بعض المسلمين حرموا من أوطانهم وأولادهم ولم يجدوا مأوى لهم إلا في ديار الكفار بسبب الظلم الذي استشرى في المجتمع.
  فيعلم كل ظالم أن كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وعرضه، وماله، ولا ينبغي للسلاطين ولا لغيرهم من أتباعهم أن ينالوا من ذلك شيئاً إلا بحق الإسلام حيث روى عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضين" وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" .
  فليحذر الجميع حاكماً أو محكومين من الظلم، والغش، والتعدي على حقوق الآخرين، ويعلموا أنه لن تزول قدما بني آدم يوم القيامة حتى يقتص منك، فإن دعتك قدرتك اليوم وسطوتك على ظلم الآخرين فتذكر قدرة الله عليك يوم القيامة.
  فيعلم الجميع أن للظلم أسباب عديدة من أولها: الشيطان حيث قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) الآية 208 سورة البقرة، وقال :( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) الآية 19 سورة المجادلة.
  ومن أسباب الظلم كذلك النفس الأمارة بالسوء حيث قال تعالى:( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) الآية 53 سورة يوسف، والهوى الذي حذر منه الله تعالى قوله :( فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ) الآية 135 سورة النساء، وقال سبحانه :( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) الآية 40-41 سورة النازعات، وقال جل وعلا :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) الآية 28 سورة الكهف، والآيات كثيرة في هذا الباب.
  وبعد أن تطرقنا إلى الظلم وأنواعه ومضاره وأسبابه علينا أن نتسلح ببعض الأسباب التي تعين على ترك الظلم وتعالجه ونجملها في الآتي :
1/ تذكر تنزه الله عز وجل عن الظلم في قوله تعالى :( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) الآية 46 سورة فصلت، وقال سبحانه :( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ) الآية 108 سورة آل عمران.

2/ النظر في سوء عاقبة الظالمين : قال تعالى :( وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) الآية 71-72 سورة مريم، وقال سبحانه :( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) الآية 117 سورة هود، وقال :( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) الآية 47 سورة الأنعام.

3/ عدم اليأس من رحمة الله، قال تعالى :( إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) الآية 87 سورة يوسف، وعن صفوان بن محرز قال: قال رجل لأبن عمر رضي الله عنهما : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال : سمعته يقول: "يدنو المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأني أغفرها لك اليوم، فيعطي صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء كذبوا على الله" (رواه مسلم) .

4/ استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة، قال تعالى :( وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) الآية 69-70 سورة الزمر.

5/ الذكر والاستغفار : قال تعالى :( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الآية 135 سورة آل عمران .

6/ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها : فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.

  ورغم ظلم الإنسان لنفسه إلا أن الله بخلقه غفور رحيم فلذلك رغم جرم الظلم الفظيع وفعله الشنيع وأثره القبيح على الفرد والمجتمع إلا أن الله تعالى بكرمه ورأفته بخلقه لقد جعل باب التوبة من الظلم وغيره مفتوحاً حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وإن الله عز وجل يقبل توبة العبد مالم يغرغر.
  ولكن حددت شروط لتقبل التوبة بأربعة شروط: هي "الإقلاع عن الذنب" و"الندم على ما فات" و "العزم على أن لا يعود" و "إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال وغيره" . ولذلك نسأل أن يجنبنا وجميع إخواننا المسلمين الظلم، وأن يوفقنا للعدل والإنصاف، في الشدة والرخاء والرضا والغضب، وأن يصلح الجميع الرعاة والرعية، وأن يؤمن المسلمين في أو طانهم، وأن يقيهم شر أنفسهم والأشرار والظلمة .

وللحديث بقية ...

تركي بن بندر
10/06/2006

هناك تعليق واحد:

  1. والله انك رجل ياليت لك منصب انا اصبح وامسي على صوتك وانت تدافع وتتكلم وتصدق استمر اليوم وبكره ويارب تنصرك يكفي حب امك الا تذكره دوم جعل ربي ماينساك دوم وينصرك

    ردحذف