السبت، 14 يناير 2012

أحلامنا المسروقة


أحلامنا المسروقة
سرقة الشباب ... أم شباب مسروقة
1 يوليو (تموز) 2005

  أحببت في مقالتي لهذا الأسبوع تناول موضوع من أهم القضايا والموضوعات التي تعني المستقبل وتشغل بال الكثيرين من المنظرين والمفكرين الاجتماعيين خاصة في أمتنا العربية ألا وهي قضية شبابنا وشاباتنا وأحلامهم وطموحهم ونظرتهم لمجتمعهم ونظرى المجتمع إليهم، ومدى توافقهم وانسجامهم مع آبائهم وأمهاتهم أو معاناتهم واختلافهم مع الآباء والأمهات في إطار صراع الأجيال .
  نمتاز – نحن العرب – عن باقي الشعوب والمجتمعات الأخرى بالمكابرة في علاقاتنا الاجتماعية، فصورة وشعار الأب العربي – وأنا واحد منهم ولا ابريء نفسي – هو أن يكون صارماً متجهماً جامداً في المنزل وفي علاقته مع أبنائه أي تغيير في هذه الملامح أو التعبير عن مشاعره وأحاسيسه الأبوية تعني له إقلالاً من قيمته واستنقاصاً من قدره ومكانته الاجتماعية .
  إن تقربك من أبنائك ومحاولاتك تفهم همومهم ومشاكلهم ومشاركتك لهم في أحلامهم، واحتضانهم بعطفك الأبوي وحنانك شيء نادر في مجتمعاتنا العربية، إن آباء هذا العصر – وأنا اتحدث عن الوالدين ذكر وأنثى – لا هم لهم إلا أن يحطموا آمال الأبناء، وأن يكسروا مجاديف طموحهم وتطلعاتهم، يستخفون بهم ويحقرون آرائهم ووجهات نظرهم، لا بل تصل الأمور أن تعاقب عقاباً جماعياً لأن أخاك فلاناً أخطأ .
  إن ذلك قائم وما زال لدى جيل الآباء، إما لعقدة قديمة متأصلة يحملونها كأسلوب تربية قاس غير متسامح تمت ممارسته عليهم، أو لحب ذات منغلقة على فهم وإدراك معرفي لا نستطيع تفهمه ومسايرته مهما حاولنا لعدم توافقه مع واقع العصر ومعطياته ومتطلباته لنا من قبل أبائنا .
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يحق لنا أن نحلم ؟ وهل الحلم أو الأحلام لا تأتي إلا في المنام أم الحياة في اليقظة كلها أحلام وأمان وآمال ..؟! وهل بالفعل أحلامنا هي المسروقة؟
  أسئلة تدور في مخيلتي منذ نعومة أظفاري فالأحلام عرف عنها أنها مجرد أوهام وتخيلات لا معنى لها، يقال عن غالبيتها (أضغاث) أحلام، يصعب تصديقها وتحقيقها لقد كانت هذه المقوله صحيحة في تصوري في تلك الفترة (100%) لصعوبات عده لا يسع المجال لذكرها في هذه العجالة.
  أما الآن .. في هذا العصر اللاهث في منجزاته العلمية والعملية وراء تحقيق كل خيال وحلم وطموح وتطلع .. أجدني لا أتفق مع هذه المقولة بل على العكس تماماً لا بد لنا ولأبنائنا أن نحلم دون منع أو تدخل من أحد كائن من كان، دون سرقة وقتل لأحلامنا، فهذا العصر قائم في معطياته ومفاهيمه على الاحترام والتفهم والمشاركة في الرأي والاستماع للصغير قبل الكبير والتشجيع والمساعدة  في بناء الحلم والأمل والتصور للمستقبل ! لما أنا عليه الآن وما أحلم وأسعى أن أكون عليه غداً وبعد غد .
  إن هذا العصر غير ذلك العصر، إنهم يطلقون العنان لأحلامهم ولخيالاتهم في كافة الاتجاهات والمسافات ليكون لإبداع والتألق والانسجام و الخروج من تلك العقد التي شكلت نفسياتنا وشخصياتنا الغارقة حتى النخاع بنفاق اجتماعي قاتل ومدمر للهوية والنفسية، والمؤسس لحالات الانفلات الأسري، والإنقلاب على المنزل وقيمه الاجتماعية . فهناك جيل من الآباء الذي يرى بأن على الأبن أن يكون نسخة طبق الأصل من أبيه فتراه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة ابنه،  ربما أن هذا الابن يشعر بذاته فقد حاول بشتى الوسائل بأساليب الخروج على أوامر الأسرة ونتج عن ذلك فجوة بين الأب والأبن سببها في الواقع جهل الأب بأساليب التربية وهذه الفجوة أفرزت لنا جيلاً متمرداً على أعراف المجتمع وقيممه والسبب الرئيس من وجهة نظري هو الأب سواءً علم بذلك أم لم يعلم بالتزامه بمنطق فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) كما وينطبق عليه قول الشاعر :
ترجو النجاه ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تمشي على يبس
  نعم .. نحن بحاجة إلى توجيه أبنائنا وتلعيمهم ولكن دون مسخ شخصياتهم ودون إلزامهم أن يكونوا صور كربونية طبق الأصل لنا، لأننا بهذا نصادر حقهم في أن يحلموا ..أن يعيشوا بطريقتهم الخاصة . وعلى الجانب الآخر على الأبناء أن يعوا أن الآباء مقصدهم حسن في التوجيه والنصح ولكن ليس كل مجتهد مصيب لأننا وإن رضينا بوجود هذا الوضع فإننا نخشى أن يكون مع هذه الفجوة عداء وبغض وعقوق بين الآباء والأبناء ومن ثم ندخل في مرحلة الصراع الأسري الذي لو حدث فلن تحمد عقباه .


  ابتسم عصرنا المعاش بالعلم والاختراعات والابتكارات على كافة الميادين والأصعدة وفي جميع المجالات، فمنذ أن سخر الله سبحانه وتعالى لنا تحت مظلة العلم والمعرفة كل ما وصلنا إليه من تقدم وتطور تكنلوجي وحضاري، مما أثبتت قدرة بني آدم على الانتقال من حال الخيال والحلم ..إلى حال الإنجاز والعمل على جعلها حقيقة وواقع .
  إنها أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى على رأسها (العقل) وهبها الله لنا نحن بني البشر وميزنا بها عن سائر مخلوقاته لنحقق أحلامنا وخيالاتنا وأفكارنا التي أصبحت اليوم تباع وتشترى بالأسواق والبورصات العالمية .. لا بل تسجل رسمياً كبراءة اختراع .. لقد أصبح من الممكن لأي ابن صغير أن يكون قائداً لجيش جرار، أو ملكاً يقاتل من أجل الحفاظ على مملكته أو حتى طبيباً أو سائقاً أو لاعباً رياضياً مشهوراً ... وغير ذلك من مهن يمارسها ويعيش دورها ممارسة عملية – عبر الواقع الافتراضي – سابقة لعمره وسنه، ومن خلالها يمر يمر خياله وفكره ليعمل على تحقيق طموحه وأحلامه ليبداء منذ الصغر يتعايش مع المهن التي يرغب ويحلم فوسائل الترفيه التعليمية المتوافرة حالياً بين يديه تؤمن له حتى لباس المهنة التي يحلم بها كأن يكون بلباس الطبيب أو المهندس أو العسكري إضافة لأدوات ومعدات المهنة ليلعب ويعيش حلمه ..هذا في طفولته ولكن عندما يدخل التعليم ومعتركه يبذل أقصى جهده وهو ينام ويصحو على هذا الحلم إلى أن يتخرج من الثانوية العامة ..وفي التخصص الجامعي وأثناء التسجيل تنهال عليه وجهات النظر من الوالدين أو الإخوة أو حتى الأقارب وقد تصل الأمور إلى أن الجيران أو صاحب البقالة في الحي الذي يعيش فيه ..كلهم دون استثناء يبدون اقتراحاتهم في نوع التخصص الأفضل والأنسب لك ..دون أن يسأل الشخص المعني الذي حمل حلمه منذ ما لايقل عن (17) سبعة عشر عاماً .. وهو يحلم ..ويحلم .. مطلقاً العنان ..باذلاً جهداً حقيقياً ..متحملاً أقصى درجات المشقة ..ليحقق أحلامه ..ولكن هل من معين ؟، إنها الوصاية التي تكسر ولا تبني ..تأخذ ولا تعطي ..تكبل ولا تنمي ..تتجاهل ولا تشجع فينا معنى الإنسان وقيمته.
  في هذا العصر عصر الإعلام والاتصال والتواصل، نرى ونشاهد كل يوم على شاشات التلفزة ونقرأ في الصحف كيف تتسابق الدول المتقدمة في دعم وتشجيع أبنائها وشبابها من خلال تبني أفكارهم وأحلامهم ومشاريعهم وتميزهم في فصول دراسية خاصة فعلياً وليس شكلياً، كما تحتضن المبدعين منهم، ومن هم خارج دولهم وبلدانهم، فعلى سبيل المثال تبنت شركة (مايكروسوفت الأمريكية المعروفة) الآلاف من الشباب المبدعين في عالم الأنترنت وابتكارات الحاسبات الآلية من هندسة برمجيات من دول أوروبا الشرقة وآسيا الوسطى .. وغيرها، حتى الهواة والمحترفين في القرصنة الإنترنتية (الهاكرز) اعتبروا ثروة لا بد من استقطابهم وتوظيف إمكانياتهم وقدراتهم في تقدمهم الابتكاري التكنلوجي .
  أما نحن فيولد فينا الإنسان ليدور في حلقة وسلسلة لا نهاية لها من المحظورات وا لمحرمات التي لا تمت للشرع بأية صلة إنما هي الأعراف والعادات والتقاليد أو لعقد خاصة دفينة يحملونها في ذواتهم : فهذا عيب ..وذلك لا يجوز ..وماذا يقول الناس عنا؟ وهل يقبل الناس؟ ثم ألا تعتقد أن ذلك الفعل أو التعبير الكلامي قد يجرح مشارع إبن عم خالد جدتك لذا عليك الانتباه والحذر من قوله أو حتى التلميح به؟
  على مرأى ومسمع الجميع تتم هذه الممارسات الخاطئة في مجملها، ولا أحد يحرك ساكناً .. لا أحد يحمي أبناءنا من هذا الفعل الذي يقمع الإبداع ويؤدي إلى الموت البطيء لخلايا دماغية مهمة ..فالأنظمة الاجتماعية غير السوية في أنساقها وبناءاتها القائمة على مجموعة من الأكاذيب تتسلق على جذع التفسير غير الصحيح للقرآن والسنة ..وغير ذلك لتحقق أهدافها في الهيمنة والوصاية على الإنسان بشكل مطلق ..لا يوجد دين سماوي يسمح ويشجع ويدعو الناس للتفكر والتبصر في إبداع السماوات والأرض والمخلوقات (أفلا ينظرون ....................) (الآية 17، سورة الغاشية) إن الله سبحانه وتعالى وهو البارئ المصور يدعو إلى العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه دون تعد من طرف على آخر ..كما لم نسمع برسول أو نبي تعدى على فكر أو حقوق أو أحلام قومه ولم نرى الأحلام تسرق ..والحقوق تنهب ..تحت مظلة العادات والتقاليد والنظام الاجتماعي المنغلق وتباطؤ الحماية والعدل في ذلك ..يموت صاحب الحلم قصداً أو ينتهي به المطاف إلى التسكع والبطالة .
  لنتجرع كل يوم في حياتنا واقعها المرير، لتتحطم مجاديفها وتتكسر على رؤوسنا، ولتتمزق أشرع سفن ومراكب الإبحار في عالم الأحلام والآمال والأماني ..لتسلب وتسرق منا ابتساماتنا ..وتوأد طموحاتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا ..وما تبقى من ذلك الإنسان العربي الصغير المحطم أصلاً في واقع غير سوي ..مبني على الخضوع والانصياع لأوامر وتعليمات وتوجيهات ما أنزل الله بها من سلطان ممن هو أكبر منك ..فهي الوصاية والعلم والفهم المطلق مقابل الجهل المطبق ..فلا يكون أمام ذلك الطفل الصغير سوى كلمة واحدة يرددها بشكل ببغاوي دون تمييز أو تمحيص أو نقاش ورأي مستقل فيما يقال أو يطلب منه ..إنها الحقيقة والواقع لا يملك الواحد فينا إلا أن يقول (أبشر) أو كما هو دارج في الخليج (سم) طال عمرك لمن هو أكبر منه وإن كان ما يقوله الآخر خطأ في خطأ إلا أن هذا هو الواقع المرير المعاش .
  إنني من هذا المنبر أطالب كل القادة العرب، والمفكرين الاجتماعيين والمنظرين لمستقبل الأمة العربية، وكذلك المسئولين عن المشاريع الإصلاحية في وطننا العربي، أن يركزوا على مشروعات الاستثمار في (الشباب) بإتاحة الفرصة لهم، وإعطائهم الأولوية القصوى، فهذا الاستثمار والبناء في الإنسان ..وهل هناك أهم من الإنسان؟ وعليهم أن يستفيدوا من تجارب الآخرين في هذا المجال.
  كما آمل أن يعوا أن شباب هذه الأمة يفتقر إلى برامج تستوعب تحولاته الفكرية وإبداعاته وتصوراته المستقبلية، كما لا بد وأن تعمل هذه البرامج على تضييق الفجوة بينه وبين الأجيال التي سبقته والتي تليه وأن تحميه من أمور اجتماعية كثيرة، وتشجعه على تحقيق أفكاره وأحلامه، ومحاسبة من يحاول تحطيمه فكل من يمارس أسلوب الأخذ ..والسرقة بالإكراه وبقوة سلطته الاجتماعية ..ليسلب شبابنا وشاباتنا حقوقهم الفكرية وأحلامهم الوردية ..هو من يتسبب في الإرهاب الحقيقي الذي يسبب الكره، والقتل، والضغينه والهروب، والهجرة، وبيع النفس رخيصة دون تفكير لأنه لا يمكن الرقي وإصلاح الشعوب والمجتمعات إذا كان شبابها مضطهداً ومحروماً من أن يحلم حلماً وردياً ..كلي أمل أن ينصف شبابنا وشاباتنا.. ونرى في القريب العاجل معالجة حقيقة وحلاً يردع كل من يحاول سرقة أحلامهم وطموحاتهم وتطلعاتهم يقول الشاعر ..
الله يعلم من سرق عمرنا سرق
متنا ضما وفي نبعنا الغير شارق

كما آمل أن نردد قول الشاعر :
عذابي في حياتي في طموحي
أحبه وأعشق أهدافه وأخافه

إنها دعوة خاصة لنحمي أبناءنا ونعيد أحلامهم لهم ..ونشجعهم على أحلامهم القادمة ..وندفعهم لترى تلك الأحلام النور في فضائنا وسمائنا ونحن بني يعرب من المحيط إلى الخليج فبالآمال والتنافس والأفق الكبير المعطاء نحقق الحلم الكبير لتعود أمتنا في مقدمة الأمم .
  

الخميس، 5 يناير 2012

رسالة من بلاد الواق واق "2-2"


رسالة من بلاد الواق واق "2-2"
29/11/2006

أيها القارئ الكريم، في الحلقة الأولى وبعد أن استعرضت معك الرسالة التي وصلتني من السيد/ واق بن ذكر الواق، والتي يشرح فيها ما يتعرضون له من ظلم واضطهاد وتعذيب وغياب للعدالة وجور من الظالمين في بلادهم (واق الواق) بسبب قولهم كلمة الحق ونصرة الحق، والألتحاق بدين الهدى والرحمة والحق.
أود أولاً أن أؤكد لك أخي/ واق الواقي ..وأنت أيها القارئ العزيز ..
أن النفس البشرية منذ ولادتها وحتى وفاتها وانتقالها إلى بارئها الأصل فيها أن تتعرض لمشاكل وعقبات وأزمات في عالم مليء بالظلم والقهر والطغاة ..وأنا أؤكد وأقول على أن الأصل والمفترض ذلك، ولكن المسألة تكمن في ردة فعل الإنسان الذي يتعرض لهذا الظلم وهنا ندخل في قوة تحمل هذا الإنسان فالبعض يسخط ويكفر بالله الواحد الأحد بسبب جرح بسيط في أحد أصابع يديه ..والبعض منا تجده يتعرض لظلم بحجم وبقساوة الجبال وتجده متفائلاً فرحاً بهذه الحياة مرتاح الضمير ينام قرير العين يردد قول الإمام الشافعي رحمه الله :
أمطري لؤلؤ جبال سرنديب
وفيضي أبار تكرور تبرا

إنا إن عشت لست اعدم قوتا
إذا مت لست اعدم قبرا

همتي همة الملوك ونفسي
نفس حرا ترى المذلة كفرا

وإذا ما نفعت بالقوت عمري
فلماذا أزور زيد وعمرا

أيها القارئ الكريم .. أخي/ واق الواق ..
إن المصائب والمحن من الطبيعي أن يتعرض لها الإنسان في هذه الحياة ولكن المسألة تكمن في مدى  ارتباطه وتعلقه ببارئه وإيمانه بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك .. إن هذا الواقع المرير والوضع المزري الذي تشهده يا (ابن الواق) ..في الوقت الراهن ببلادكم "واق الواق" يجب أن تأخذه على أنه امتحان من الله إن صبرت وشكرت فقذ ظفرت بأبي أنت وأمي .. ما تتعرض له يا (ابن الواق) يجب أن لا يغيرك عن دينك ومبادئك وقيمك الإنسانية ..يجب أن لا يجعلك تفكر كثيراً في الهروب بعيداً عن الحق ويدفعك إلى الانتقام والإساءة للآخرين وظلم أبرياء مساكين ليسوا سوى عبيداً مأمورين لا حول لهم ولا قوة ..إن الله أخبرنا في قصة فرعون أن الأضطهاد والاستبداد والتمييز لا يستمر ولن يدوم مهما علا أصحابه واستكبروا ..سيأتي يوماً وينقلب السحر على الساحر يا (ابن الواق) ..سيأتي يوماً ويقذف اليم جثة "فرعون" منتفخة متفسخة ..ألم يقل نا ربكم الأعلى ولا أريكم إلا ما أرى ..فلعنة الله على "فرعون" ومن ناصره واستنصره على ظلمه.
أخي/ واق الواقي..
لقد قرأت رسالتك عشرات المرات ..رسالة تحترق لها القلوب وتنفطر من شدة الحزن والصدور.. إنني أؤكد لك يا (أبن الواق) أنه لا يخفى علينا ولا على أحد من البشر قسوة الظلم ومعاناته، ولذلك يبقى الحديث عن العيش في سلام ومحبة ووئام مجرد حلم عابر لنائم في ليلة شتوية أمطارها غزيرة وعلى أرض جرداء لا حقيقة له في الوجود ذلك النائم حين يفيق ..إذا لم يرافقه العمل الجاد والمخلص لتحقيقه والوصول إليه ولا يكون ذلك إلا من خلال الرجوع إلى الله والتمسك بكتابه .
أخي / واق الواقي ..
إنني أتفق معك أن المستقبل الزاهر والواعد بالتقدم والتحول والتغيير إلى الأحسن وإحقاق الحق وشمول العدل والنهضة والتنموية الشاملة والعزة لن يغلي شيئاً ولا يجدي نفعاً إذا لم يصاحب هذه الأفكار والرغبات العمل الجاد لصناعة ذاك المستقبل المنشود والقضاء على كافة المعوقات التي جعلتكم تعيشون في حالة من الون والذل والضعف والتخطبط والبناء على الوهم وملاحقة السراب ..أبداً أولاً بنفسك وسترى أن الجميع سيأتي وراءك وصدقني فذلك جاء من تجرية .
أخي/ واق الواقي ..
اسأل نفسك هل الإيمان المسيطر على نفسك والموجه الحقيقي لأخلاقك وسلوك من معك كما كان من زمن بدايات الدعوة المحمدية ..كما كان في صدر بلال بن رباح وياسر بن عمار ..وغيرهم، إذا لم يكن كذلك أخي/ واق الواقي فأعمل أن تجعله كذلك انتبه فأنا أخشى ما أخشاه أن يصبح إيمانهم إيماناً (جغرافياً) بحكم ولادتهم في أٍض المسلمين أو إيماناً (وراثياً) يأخذونه عن آبائهم كما يرثون الأموال والعقارات ولذلك أًبح إيماناً مخدراً نائماً لا تأثير له ولا حيوية فيه ولا يورث القوة ويعطي هيبة  النفس ولا العزيمة ولا العزة، مجرد كلمة من خمسة حروف تكتب في جواز السفر بخط صغير .. لقد كشف الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته عن الأسباب العميقة للضعف والهوان حين تهون على اعدائها في قوله الشريف (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعي الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئد يا رسول الله ؟ قال: بل أنتم يمئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن ؟ أي ما سببه وماسره قال : حب الدنيا وكراهية الموت) صدق الرسول الكريم بتلخيصه لحقيقة مبعث الوهن الحقيقي وسر الضعف الأصيل أن يخلد المرء إلى دنياه الخاصة، فيعيش عبداً لها مطواعاً لأوضاعها الرتيبة أسيراً لقيودها الثقيلة تحركه الشهوات كالخاتم في الإصبع وتسيره الرغائب المادية ليكون عبداً لها يتحرك في مدار محدود، فاقد الهدف معصوب العينين فالحذر الحذر من أن تصبحوا كذلك في بلادكم "واق الواق" سوف يستدرجون منكم ضعفاء الأنفس الذين يرضون الذلة والعار ..أولئك الذين لا يعرفون معنى الكرامة والعز سيغرونهم بالمال الرخيص القذر للوشاية بكم والإساءة لكم وتشويه الصورة .. وحتى رفع المدية عليكم وطعنكم من الخلف فانتبهوا من هؤلاء فإنني أخوف ما أخاف عليكم منهم ..أحذر ألف مرة يا واق الواق ..تحنبوهم لا تثقون بإيمانهم فآيات المنافقين جاءت في القرآن محذرة منهم أكثر من الآيات التي وردت في "فرعون" الذي كان مجرد واجهة قذرة لموجه اسمه "هامان" لعنة الله على فرعون وهامان .
أخي واق الواقي ..
لا شك أن (حب الدنيا) هو الذي جعل الإنسان ..وحتى السلطان وملك الزمان في عرشه في عيني عبداً ضعيفاً رخو العود أمام شهوة يطمع في نيلها أو نديم يخشى أن يفضحه أو حاشية تعينه على سرقاته ونزواته .
ثم أن كراهية الموت هي التي تجعل الأفراد والجماعات يؤثرون حياة ذلليلة على موت كريم، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات عدة يفضلونها على أن يموتوا موتة واحدة بعزة وكرامة لله رب العالمين يحيون بعده حياة الخلود مصداقة لقوله تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
أخي/ واق الواقي ..
إن الأزمة التي تمر بها في بلادكم (واق الواق) هي أزمة مزمنة تعود إلى انطفاء جذوة التسامح والعدل والمحبة والإيثار بين الناس وقبول الأديان الأخرى والمذاهب والطوائف والرأي الآخر وقول الحق فالله خلق الأرض بهذه الصورة فلماذا يريدون أن يغيروها ..لماذا يكذبون نهار ويتآمرون عليك في الليل .. أتدري لماذا يا (واق الواق)؟ لأنم أولاً منافقين وثانياً جبناء ويخشون مواجهتكم ..شاهدهم يتحدثون عن العدالة والتسامح وحب الخير أمام الملاء أما في أنصاف الليالي أعلم أنهم يحيكون جرائمهم ضدك يضعون الخطط ويرسمونها ..فلا تقلق نم قرير العين حين يكون حبلك موصول مع الله ..نم قرير العين حين يكون ضميرك مرتاح ..ادع في صلاتك اخي/ واق الواق اللهم لا تكلني على نفسي ..اللهم لا تجعلني أظلم أو أظلم .
أخي/ واق الواقي ..
أتدري ما المصيبة أنهم لا يقرأون التاريخ ولا يستفيدون من تجاربه القريبة والبعيدة التي سطرتها الكتب التي اشتروها ليزينوا بها مكتبات منازلهم وبيوتهم وقصورهم ..حتى سنن الله في أرضه وبين عباده وخلقه لا يعونها ولا يتدبرونها ..فالظلم لا يدون والإناسن المظلوم المقهور له كلمته في لحظة غفلة تنزل كالصاعقة حين يتمادى الظالم ..إن الإنسان مهما كان لا يقبل أن يساق لا يقبل أن يقاد كطعان الماشية التي تتبع الراعي ..حتى القطعان التي لا عقل لها حين يقودها الراعي إلى أرض جرداء أو منحدر ستقف وتسأله وتحاسبه وتتمر على قيادته وقد تتحداه .. وتحاكمه وتصدر بحقه حكماً بالإعدام ..وهذا ما يستحقه لأنه هو من حكم على نفسه بهذه النهاية حين دخل في نفق الزهو والغرور بممارسات الظلم والتسلط على الآخرين .
أخي/ واق الواقي ..
ما نشهده اليوم من استمرار الظلم والجاهل المستبد بأفعاله الشريرة هو وجود المنافقين الدجالين أجهل الناس وأحقدهم على الناس المتعطشين لشرب دماء الناس من حولهم بل أن البعض استعان بأعداء دينه وأمته لتثبيت وتمكين بقاءه مع الظالم وهذا بأبي وأمي يا (ابن الواق) هو الذي أضاع الحق إلى أجل لكنه مسمى.فما ترونه اليوم وتعانيه يا (ابن الواق) ليست أساسه اختلاف الأفكار والسياسات والمبادئ والقيم فقط بل أيضاً هناك اختلاف الأهواء والأغراض والمصالح وتقاطعها فالمتكبرين والمتغطرسين المستعلين في الأرض يحاصرون ويسحقون من تتقاطع مصالحهم مع مصالحه ولا يقبلون بأن يقف أحد وجه خططهم ومشاريعهم التي بناها في عقولهم وزين صورتها الشيطان "خنزب" حين يرفعون أيديهم تكبيراً في صلاتهم ؟
يقولون على كل أفعالهم وجميع مشاريعهم أنها لمستقبل الأجيال واستثمار من أجل الأجيال، وأنها بناء للغد والحقيقة يعرفها جميع من حضر أولئك الذين يصفقون لهم حين يقصون ذلك الشريط الأخضر ..فويل هؤلاء الذين لا يراقبون الله، ولا يخافون سوء الحساب في سبيل بناء مصالحهم الشخصية وطموحاتهم اللاإنسانية .
أعانكم الله أخي/ واق الواقي على ما أنتم فيه، وأود منك ان شعرت بالضعف والون أن لا تتردد بأن تهاجر وتأتي إلى ديارنا فنحن ولله الحمد لدينا كل شيء على أحسن ما يرام ..فالجميع هنا متمسك بكتاب الله وسنة رسله ..فلا ظلم ولا نفاق ولا كذب صحيح أن هناك قضايا يقدمها بعض المواطنين على بعض  وذلك ليملؤون وقت فراغهم ومع ذلك تنجزها المحاكم بأسرع وقت ..لا بل أن المحاكم من مثالية العاملين فيها كان لها دور أهم وأكبر قال لي :(بدران شاه خان) وهو سيرلانكي يعمل في محل إصلاح إطارات السيارات (بنشرجي) حين ذهب لإصلاحي سيارتي قصة إسلامه التي كانت على النحو التالي :
يقول (بدران) أنه اشتكى أحد المواطنين في المحكمة ذات يوم وأنه ما كاد يخرج من باب المحكمة إلا وهاتفه النقال يرن وإذا عل الخط موظف من المحكمة يبلغه بأن الحكم صدر وأن وثيقة الحكم (الصك) جاهزة ..ويقول (بدارن خان) : ذهبت إلى الطابق الأول لأستلم وثيقة (صك) الحكم من الموظف إلا أن الموظف حين دخلت نهض وهو يبتسم ورحب بي وقال لي : أن القاضي رفض إلا أن يسلمها لك بنفسه وأن لا تأخذها إلى من يده، يقول: دخلت على القاضي، رحب بي  ورد السلام وكان مبتسماً وشكرني على الحضور للمحكمة وأكد لي أنه مرحب بي في أي وقت، وأن الإسلام دين العدل وأنه لا يبقل الظلم حتى على المسيحيين ثم اتصل القاضي بنفسه بالضابط المسئول وقال له : الحكم الصادر ينص على أن يتم استدعاء الخصم فوراً لديكم بالقسم وتنفيذه لإلتزاماته التي نص عليها الحكم، وبالفعل سحب الضابط هاتفه النقال من جيب بنطاله العلوي واتصل بمرجعه وطالب بتعميم اسم خصمي على كافة الدوريات، وما كاد يفعل ويغلق هاتفه حتى جاءه اتصال هاتفي يقول له : أنه تم إلقاء القبض على ذلك الخصم وأن سيكون في قسم الشرطة بعد عشر دقائق، يقول (بدران خان) : خرجت مع الضابط الذي أصر أن آتي معه إلى القسم بسيارته وكان لبق يكرر الأعتذار لي عن ما صدر من مواطنه وأنه لا يقبل ذلك لكائن من كان وأن العدل العدل وإحقاق الحق هدفه وحياته حرصاً على سلامة المواطنين والوطن ..وبالفعل في مركز الشرطة وجدنا الخصم الذي اعترف بكافة حقوقي ودفعها لتنتهي القضية .. وبعد أن قرأت عن الإسلام وخصوصاً قصة سيدنا علي رضي الله عليه عندما تخاصم مع اليهود وشاهدت بأن عيني سماحته وعدله قررت أن أسلم وأسلمت بالفعل ..وصار اسمي الآن "بدر الدين شلهوب خان راجو"
أخي/ واق الواق ..
أما المسئولين من وزراء ووكلائهم والقيادات التي تليهم مخلصين لنهجم قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – وللأمانة التي أوكلت إليهم فتوصياته وتوجيهاته عاملين على تحقيها ليل نهار ..فالمبالغ الضخمة والميزانيات المهولة التي استلموها لتنفيذ الخطط والمشاريع والتي رسموها وتقدموا بها لمجلس الوزراء انطلقت في كل الاتجاهات وعلى قدم وساق وفي وقت زمني قياسي ..قال لي صديق سافر على طريق الشمال أنه وجد وزير النقل والمواصلات بنفسه وبسيارته الخاصة يتفقد أداء الشركات التي تزفلت هناك يقول صديقي أنه شاهد الوزير وكيف نزل بنفسه وأخذ يقيس سمك ونوعية المواد المستخدمه في الزفلته والتأكد أنها مطابقة للعقد وشروطه على ذلك الطريق وحين أكتشف خلل بسيط طالب فوراً بطرد المهندسين المشرفين على تنفيذ المشروع بعد التحقيق معهم وعرض المواد على مختبر لتثبيت والتأكد من حقيقة التهمة الموجهة لهم بالتقصير ..وطالب الشركة المنفذة بوقف العمل فوراً حتى التأكد من صحة تورطها في عملية الخلل والتقصير ومن ثم الإخلال بالعقد ..يقول لي صديقي أنه فوجئ بهذا الوزير لأنه قبل يوم شاهده على التلفاز في اجتماع مع الأهالي لمدينة كانت تقع في الجنوب.. وأن هذا الوزير ضغط على شركة لمسئول كبير في الدولة فأنجزت المشروع قبل موعد الأنتهاء التي وردت في عقد إرساء المشروع على الشركة بستة شهور ..ما أروع الوزراء والمسئولين في بلادي .
أخي/ واق الواقي ..
هل تعلم أن المواطنين لدينا لا وقت لديهم لكثرة زيارات المسئولين وسؤالهم عن أحواليهم ..؟!! وهل أنك لا تجد وزير لدينا إلى ويرفض أن يشرف على أي مشروع غيره ..الكل يخاف الله فينا نحن المواطنين ومنهم ولله الحمد وحتى أدق التفاصيل والتقارير وأحوال الناس ..المعاملات في الدوائر الحكومية لا يستيطع المواطنين اللحاق بها من سرعة إنجازها ..سمعت أن مواطن تعلم لعبة البيسبول الأمريكية ..أتدري لماذا ؟!! ليستطيع إمساك معاملاته بفن وإتقان حيت يتم إعادتها له في الحال ..فما يكاد المراجع يسلمها للموظف المختص حتى يتم رميها عليه بعد أن يكون الموظف قد أنهى المعاملة ووقع عليها حتى الوزير حتى ..وقبل أن يخرج المراجع من باب الدائرة التي يراجعها يريد أن يلتقطها بفن فهو لم يكن يجيد فن إمساك المعاملات مثل بقية إشقاءه المواطنين ..ولا يريد أن يكلف على الدائرة وموظفيها بالنزول معه وتسليمه للمعالة بعد انتهاءها .
أخي/ واق الواقي ..
لا تقلق إذا كان ليس معك مال فلدينا سوق أسهم عال العال ..تعال استثمر وتجد أن رصيدك بين عشية وضحاها قد تضخم وتنفحت ادراجه ..فالمسئولين عن السوق كفاءات مثل صيف "جدة" غير استطاعت ضبط السوق والسيطرة على المتلاعبين ومعاقبتهم واحداً تلو الآخر حتى أنني سمعت أن خبراء بورصة نيويورك، وداوو جونز، ونيكاي، وسوق لندن وول ستريت: جاؤوا جميعهم للأستفادة من أسلوبنا وسياستنا في إدارة السوق ودقة التحكم فيه وكيفية طريقتنا في ضبطه ..حتى أننا الآن أصبحنا بدون فقير أو مديون فالآثرياء زاد ثراءهم والفقراء أصبحوا أثرياء ..والبنوك لا تطلب أي مواطن أو إنسان لدينا .
أخي/ واق الواقي ..
التحق وتعال معنا يا(إبن الواقي) لترى بأم عينك كيف تمشي في مدن والناس مبتسمة لك بل شاهدت أحد أصدقائي طائراً في السماء حين نزل سألته: كيف تطير ومنذ متى ؟! قال لي صديقي وهو يضحك : بعثت فيني طاقة جديدة وفائضة عن الحاجة بسبب شدة الفرح مما أضطرني للطيران لتفريغ شحناتها ..فتعال يا (إبن الواقي) لنطير سوياً في بلادي ..