السبت، 14 يناير 2012

أحلامنا المسروقة


أحلامنا المسروقة
سرقة الشباب ... أم شباب مسروقة
1 يوليو (تموز) 2005

  أحببت في مقالتي لهذا الأسبوع تناول موضوع من أهم القضايا والموضوعات التي تعني المستقبل وتشغل بال الكثيرين من المنظرين والمفكرين الاجتماعيين خاصة في أمتنا العربية ألا وهي قضية شبابنا وشاباتنا وأحلامهم وطموحهم ونظرتهم لمجتمعهم ونظرى المجتمع إليهم، ومدى توافقهم وانسجامهم مع آبائهم وأمهاتهم أو معاناتهم واختلافهم مع الآباء والأمهات في إطار صراع الأجيال .
  نمتاز – نحن العرب – عن باقي الشعوب والمجتمعات الأخرى بالمكابرة في علاقاتنا الاجتماعية، فصورة وشعار الأب العربي – وأنا واحد منهم ولا ابريء نفسي – هو أن يكون صارماً متجهماً جامداً في المنزل وفي علاقته مع أبنائه أي تغيير في هذه الملامح أو التعبير عن مشاعره وأحاسيسه الأبوية تعني له إقلالاً من قيمته واستنقاصاً من قدره ومكانته الاجتماعية .
  إن تقربك من أبنائك ومحاولاتك تفهم همومهم ومشاكلهم ومشاركتك لهم في أحلامهم، واحتضانهم بعطفك الأبوي وحنانك شيء نادر في مجتمعاتنا العربية، إن آباء هذا العصر – وأنا اتحدث عن الوالدين ذكر وأنثى – لا هم لهم إلا أن يحطموا آمال الأبناء، وأن يكسروا مجاديف طموحهم وتطلعاتهم، يستخفون بهم ويحقرون آرائهم ووجهات نظرهم، لا بل تصل الأمور أن تعاقب عقاباً جماعياً لأن أخاك فلاناً أخطأ .
  إن ذلك قائم وما زال لدى جيل الآباء، إما لعقدة قديمة متأصلة يحملونها كأسلوب تربية قاس غير متسامح تمت ممارسته عليهم، أو لحب ذات منغلقة على فهم وإدراك معرفي لا نستطيع تفهمه ومسايرته مهما حاولنا لعدم توافقه مع واقع العصر ومعطياته ومتطلباته لنا من قبل أبائنا .
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يحق لنا أن نحلم ؟ وهل الحلم أو الأحلام لا تأتي إلا في المنام أم الحياة في اليقظة كلها أحلام وأمان وآمال ..؟! وهل بالفعل أحلامنا هي المسروقة؟
  أسئلة تدور في مخيلتي منذ نعومة أظفاري فالأحلام عرف عنها أنها مجرد أوهام وتخيلات لا معنى لها، يقال عن غالبيتها (أضغاث) أحلام، يصعب تصديقها وتحقيقها لقد كانت هذه المقوله صحيحة في تصوري في تلك الفترة (100%) لصعوبات عده لا يسع المجال لذكرها في هذه العجالة.
  أما الآن .. في هذا العصر اللاهث في منجزاته العلمية والعملية وراء تحقيق كل خيال وحلم وطموح وتطلع .. أجدني لا أتفق مع هذه المقولة بل على العكس تماماً لا بد لنا ولأبنائنا أن نحلم دون منع أو تدخل من أحد كائن من كان، دون سرقة وقتل لأحلامنا، فهذا العصر قائم في معطياته ومفاهيمه على الاحترام والتفهم والمشاركة في الرأي والاستماع للصغير قبل الكبير والتشجيع والمساعدة  في بناء الحلم والأمل والتصور للمستقبل ! لما أنا عليه الآن وما أحلم وأسعى أن أكون عليه غداً وبعد غد .
  إن هذا العصر غير ذلك العصر، إنهم يطلقون العنان لأحلامهم ولخيالاتهم في كافة الاتجاهات والمسافات ليكون لإبداع والتألق والانسجام و الخروج من تلك العقد التي شكلت نفسياتنا وشخصياتنا الغارقة حتى النخاع بنفاق اجتماعي قاتل ومدمر للهوية والنفسية، والمؤسس لحالات الانفلات الأسري، والإنقلاب على المنزل وقيمه الاجتماعية . فهناك جيل من الآباء الذي يرى بأن على الأبن أن يكون نسخة طبق الأصل من أبيه فتراه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة ابنه،  ربما أن هذا الابن يشعر بذاته فقد حاول بشتى الوسائل بأساليب الخروج على أوامر الأسرة ونتج عن ذلك فجوة بين الأب والأبن سببها في الواقع جهل الأب بأساليب التربية وهذه الفجوة أفرزت لنا جيلاً متمرداً على أعراف المجتمع وقيممه والسبب الرئيس من وجهة نظري هو الأب سواءً علم بذلك أم لم يعلم بالتزامه بمنطق فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) كما وينطبق عليه قول الشاعر :
ترجو النجاه ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تمشي على يبس
  نعم .. نحن بحاجة إلى توجيه أبنائنا وتلعيمهم ولكن دون مسخ شخصياتهم ودون إلزامهم أن يكونوا صور كربونية طبق الأصل لنا، لأننا بهذا نصادر حقهم في أن يحلموا ..أن يعيشوا بطريقتهم الخاصة . وعلى الجانب الآخر على الأبناء أن يعوا أن الآباء مقصدهم حسن في التوجيه والنصح ولكن ليس كل مجتهد مصيب لأننا وإن رضينا بوجود هذا الوضع فإننا نخشى أن يكون مع هذه الفجوة عداء وبغض وعقوق بين الآباء والأبناء ومن ثم ندخل في مرحلة الصراع الأسري الذي لو حدث فلن تحمد عقباه .


  ابتسم عصرنا المعاش بالعلم والاختراعات والابتكارات على كافة الميادين والأصعدة وفي جميع المجالات، فمنذ أن سخر الله سبحانه وتعالى لنا تحت مظلة العلم والمعرفة كل ما وصلنا إليه من تقدم وتطور تكنلوجي وحضاري، مما أثبتت قدرة بني آدم على الانتقال من حال الخيال والحلم ..إلى حال الإنجاز والعمل على جعلها حقيقة وواقع .
  إنها أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى على رأسها (العقل) وهبها الله لنا نحن بني البشر وميزنا بها عن سائر مخلوقاته لنحقق أحلامنا وخيالاتنا وأفكارنا التي أصبحت اليوم تباع وتشترى بالأسواق والبورصات العالمية .. لا بل تسجل رسمياً كبراءة اختراع .. لقد أصبح من الممكن لأي ابن صغير أن يكون قائداً لجيش جرار، أو ملكاً يقاتل من أجل الحفاظ على مملكته أو حتى طبيباً أو سائقاً أو لاعباً رياضياً مشهوراً ... وغير ذلك من مهن يمارسها ويعيش دورها ممارسة عملية – عبر الواقع الافتراضي – سابقة لعمره وسنه، ومن خلالها يمر يمر خياله وفكره ليعمل على تحقيق طموحه وأحلامه ليبداء منذ الصغر يتعايش مع المهن التي يرغب ويحلم فوسائل الترفيه التعليمية المتوافرة حالياً بين يديه تؤمن له حتى لباس المهنة التي يحلم بها كأن يكون بلباس الطبيب أو المهندس أو العسكري إضافة لأدوات ومعدات المهنة ليلعب ويعيش حلمه ..هذا في طفولته ولكن عندما يدخل التعليم ومعتركه يبذل أقصى جهده وهو ينام ويصحو على هذا الحلم إلى أن يتخرج من الثانوية العامة ..وفي التخصص الجامعي وأثناء التسجيل تنهال عليه وجهات النظر من الوالدين أو الإخوة أو حتى الأقارب وقد تصل الأمور إلى أن الجيران أو صاحب البقالة في الحي الذي يعيش فيه ..كلهم دون استثناء يبدون اقتراحاتهم في نوع التخصص الأفضل والأنسب لك ..دون أن يسأل الشخص المعني الذي حمل حلمه منذ ما لايقل عن (17) سبعة عشر عاماً .. وهو يحلم ..ويحلم .. مطلقاً العنان ..باذلاً جهداً حقيقياً ..متحملاً أقصى درجات المشقة ..ليحقق أحلامه ..ولكن هل من معين ؟، إنها الوصاية التي تكسر ولا تبني ..تأخذ ولا تعطي ..تكبل ولا تنمي ..تتجاهل ولا تشجع فينا معنى الإنسان وقيمته.
  في هذا العصر عصر الإعلام والاتصال والتواصل، نرى ونشاهد كل يوم على شاشات التلفزة ونقرأ في الصحف كيف تتسابق الدول المتقدمة في دعم وتشجيع أبنائها وشبابها من خلال تبني أفكارهم وأحلامهم ومشاريعهم وتميزهم في فصول دراسية خاصة فعلياً وليس شكلياً، كما تحتضن المبدعين منهم، ومن هم خارج دولهم وبلدانهم، فعلى سبيل المثال تبنت شركة (مايكروسوفت الأمريكية المعروفة) الآلاف من الشباب المبدعين في عالم الأنترنت وابتكارات الحاسبات الآلية من هندسة برمجيات من دول أوروبا الشرقة وآسيا الوسطى .. وغيرها، حتى الهواة والمحترفين في القرصنة الإنترنتية (الهاكرز) اعتبروا ثروة لا بد من استقطابهم وتوظيف إمكانياتهم وقدراتهم في تقدمهم الابتكاري التكنلوجي .
  أما نحن فيولد فينا الإنسان ليدور في حلقة وسلسلة لا نهاية لها من المحظورات وا لمحرمات التي لا تمت للشرع بأية صلة إنما هي الأعراف والعادات والتقاليد أو لعقد خاصة دفينة يحملونها في ذواتهم : فهذا عيب ..وذلك لا يجوز ..وماذا يقول الناس عنا؟ وهل يقبل الناس؟ ثم ألا تعتقد أن ذلك الفعل أو التعبير الكلامي قد يجرح مشارع إبن عم خالد جدتك لذا عليك الانتباه والحذر من قوله أو حتى التلميح به؟
  على مرأى ومسمع الجميع تتم هذه الممارسات الخاطئة في مجملها، ولا أحد يحرك ساكناً .. لا أحد يحمي أبناءنا من هذا الفعل الذي يقمع الإبداع ويؤدي إلى الموت البطيء لخلايا دماغية مهمة ..فالأنظمة الاجتماعية غير السوية في أنساقها وبناءاتها القائمة على مجموعة من الأكاذيب تتسلق على جذع التفسير غير الصحيح للقرآن والسنة ..وغير ذلك لتحقق أهدافها في الهيمنة والوصاية على الإنسان بشكل مطلق ..لا يوجد دين سماوي يسمح ويشجع ويدعو الناس للتفكر والتبصر في إبداع السماوات والأرض والمخلوقات (أفلا ينظرون ....................) (الآية 17، سورة الغاشية) إن الله سبحانه وتعالى وهو البارئ المصور يدعو إلى العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه دون تعد من طرف على آخر ..كما لم نسمع برسول أو نبي تعدى على فكر أو حقوق أو أحلام قومه ولم نرى الأحلام تسرق ..والحقوق تنهب ..تحت مظلة العادات والتقاليد والنظام الاجتماعي المنغلق وتباطؤ الحماية والعدل في ذلك ..يموت صاحب الحلم قصداً أو ينتهي به المطاف إلى التسكع والبطالة .
  لنتجرع كل يوم في حياتنا واقعها المرير، لتتحطم مجاديفها وتتكسر على رؤوسنا، ولتتمزق أشرع سفن ومراكب الإبحار في عالم الأحلام والآمال والأماني ..لتسلب وتسرق منا ابتساماتنا ..وتوأد طموحاتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا ..وما تبقى من ذلك الإنسان العربي الصغير المحطم أصلاً في واقع غير سوي ..مبني على الخضوع والانصياع لأوامر وتعليمات وتوجيهات ما أنزل الله بها من سلطان ممن هو أكبر منك ..فهي الوصاية والعلم والفهم المطلق مقابل الجهل المطبق ..فلا يكون أمام ذلك الطفل الصغير سوى كلمة واحدة يرددها بشكل ببغاوي دون تمييز أو تمحيص أو نقاش ورأي مستقل فيما يقال أو يطلب منه ..إنها الحقيقة والواقع لا يملك الواحد فينا إلا أن يقول (أبشر) أو كما هو دارج في الخليج (سم) طال عمرك لمن هو أكبر منه وإن كان ما يقوله الآخر خطأ في خطأ إلا أن هذا هو الواقع المرير المعاش .
  إنني من هذا المنبر أطالب كل القادة العرب، والمفكرين الاجتماعيين والمنظرين لمستقبل الأمة العربية، وكذلك المسئولين عن المشاريع الإصلاحية في وطننا العربي، أن يركزوا على مشروعات الاستثمار في (الشباب) بإتاحة الفرصة لهم، وإعطائهم الأولوية القصوى، فهذا الاستثمار والبناء في الإنسان ..وهل هناك أهم من الإنسان؟ وعليهم أن يستفيدوا من تجارب الآخرين في هذا المجال.
  كما آمل أن يعوا أن شباب هذه الأمة يفتقر إلى برامج تستوعب تحولاته الفكرية وإبداعاته وتصوراته المستقبلية، كما لا بد وأن تعمل هذه البرامج على تضييق الفجوة بينه وبين الأجيال التي سبقته والتي تليه وأن تحميه من أمور اجتماعية كثيرة، وتشجعه على تحقيق أفكاره وأحلامه، ومحاسبة من يحاول تحطيمه فكل من يمارس أسلوب الأخذ ..والسرقة بالإكراه وبقوة سلطته الاجتماعية ..ليسلب شبابنا وشاباتنا حقوقهم الفكرية وأحلامهم الوردية ..هو من يتسبب في الإرهاب الحقيقي الذي يسبب الكره، والقتل، والضغينه والهروب، والهجرة، وبيع النفس رخيصة دون تفكير لأنه لا يمكن الرقي وإصلاح الشعوب والمجتمعات إذا كان شبابها مضطهداً ومحروماً من أن يحلم حلماً وردياً ..كلي أمل أن ينصف شبابنا وشاباتنا.. ونرى في القريب العاجل معالجة حقيقة وحلاً يردع كل من يحاول سرقة أحلامهم وطموحاتهم وتطلعاتهم يقول الشاعر ..
الله يعلم من سرق عمرنا سرق
متنا ضما وفي نبعنا الغير شارق

كما آمل أن نردد قول الشاعر :
عذابي في حياتي في طموحي
أحبه وأعشق أهدافه وأخافه

إنها دعوة خاصة لنحمي أبناءنا ونعيد أحلامهم لهم ..ونشجعهم على أحلامهم القادمة ..وندفعهم لترى تلك الأحلام النور في فضائنا وسمائنا ونحن بني يعرب من المحيط إلى الخليج فبالآمال والتنافس والأفق الكبير المعطاء نحقق الحلم الكبير لتعود أمتنا في مقدمة الأمم .
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق