الأربعاء، 23 مايو 2012

إلى أبناء الأمة الإسلامية .. بإصلاح حال الأمة


إلى أبناء الأمة الإسلامية ..
بإصلاح حال الأمة

   على مدى التاريخ أفهم تعرض الأمة الإٍسلامية بين فترة وأخرى إلى هجوم وإن كان غير مبرر من قبل شخصيات وقوى غربية معينة متعددة بينها وبين بعض الدول أو منظمات إٍسلامية متطرفة خلاف ونزاع. إلا أنني أقف حائراً أمام ما قامت به صحيفة في إحدى الدول الاسكندينافية اسمها (الدنمارك) من تعد سافر وتطاول وقح على أفضل خلق الله وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه سراجاً منيراً من خلال نشر رسوم كاريكاتورية بشعة وتعليقات قبيحة تتضمن السخرية والاستهزاء بشخص الرسول الكريم والتي قوبلت بموجة عارمة من الغضب والسخط بين كافة أبناء الأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، فالاعتداء والتطاول كان محيراً وملفتاً للأنتباه من حيث أنه جاء من مؤسسة صحفية في هذه الدولة بالذات وذلك لعدة أسباب موضوعية ومنطقية، حيث لم تصدر أية ا ساءة مباشرة وغير مباشرة من قبل شخصية سياسية أو غير سياسية مسلمة تجاه (الدنمارك) شعباً أو نظاماً سياسياً أو جهة غير سياسية، بل على العكس فهناك علاقات تجارية أكثر من قوية بين (الدنمارك) ودول العالم الإسلامي، كما لم يكن هناك أي نشاط إسلامي سلمي واضح للجالية العربية أو الاسلامية كما هو الحال في بعض دول أوروبا، حتى تنظيم القاعدة سيء الذكر لم يصدر منه أي عمل أو إشارة عدوانية تجاه أو في الإراضي الدنماركية .. لقد فوجئنا جميعاً بالفعل من هذا العمل المشين السلبي الذي لم ينتقد أو حتى يحاول تشويه صورة المسلمين علماً بأن هناك أعمالاً وتصريحات سلبية تجاه الإسلام والمسلمين سابقة من قبل مسؤولين دنماركيين تم تجاهلها، إلا أن ما نشر في الصحيفة أقول لم يكن يحمل نقداً موضوعياً تجاه المسلمين بل إنه قفز بشكل غريب وعجيب بعمل مشين بالتطاول على رمز مقدس وتعدى عليه دون أية مقدمات .
   والسؤال الذي لم يفارق ذهي هو : لماذا حدث ذلك العمل من صحيفة دنماركية؟ وما الهدف منه؟ وهل القائمون على الجريدة أشخاص من السذاجة والبساطة المفرطة بحيث يقومون بما قاموا به دون إدراك ووعي لما رسموه ووضعوا له من تصور، وخططوا له ونفذوه بعد أن دعوا له عبر مسابقة مرصودة الجوائز، ثم  قاموا بنشره ضد أهم رمز لثاني ديانة في العالم من حيث الأتباع والمؤمنين بها ؟
   بإعتقادي أن الجواب هو العكس، فهم كانوا يقومون بكل تفاصيل هذا العمل بإدراك وفهد دقيق لجميع أبعاد ما يحمله من ردود أفعال وثورة عارمة في كل ركن من أركان الشارع الإسلامي، ولن أجانب الصواب إذا قلت إن حقيقة نواياهم وغاياتهم من هذا النشر تحقيق الصدمة والاستفزاز المتعمد للوصول إلى هدف (الشهرة) لمطبوعتهم، والتسويق لها على مستوى (الدنمارك) و (أوروبا) بالقذف بها والتقدم على كافة المطبوعات الأوروبية في مستوى التطاول والتجرؤ على الإسلام كديانة ورمزها الأول من خلال تناول المصطفى صلى الله عليه وسلم .
   إننا نعلم جميعاً مدى تغلغل السياسة في الإعلام وأن الصحفيين في غالبيتهم مسيسون متمكنون من هذه القضايا ويفهمون جيداً معنى هذا النوع من النشر، كما أننا نعلم جيداً مدى هوس الإعلاميين بالشهرة والانتشار عبر استخدام هذاا لنوع من الصدمات خصوصاً مع العالم الإسلامي، ففي ذلك وصول لهدفين بحجر واحدة: شهرة المطبوعة وترسيخ التصور السلبي الموجود أصلاً في الذهنية المجتمعية الدنماركية وحتى الأوروبية عن الإسلام والمسلمين ذلك الذي زرع على مدى سنين وأعوام عبر وسائل الإعلام الغربية عن العرب والمسلمين، فقبل انتهاء مرحلة الحرب الباردة وأنهيار جدار برلين ونحن نعاني حتى هذه اللحظة من سياسة إعلامية غير عادلة ومنصفة تصور الإنسان العربي المسلم بأنه شخص ثري ومتخلف بدين وملتح، ينفق الأموال في صالات القمار وعلى النساء الحسناوات، والآن أصبحنا نمثل نحن العرب والمسلمين (الإرهاب) فقط ولا شيء غيره وأموالنا -بقدرة قادر- تحول صرفها من النساء وطاولات القمار إلى تمويل الأنشطة والأعمال الإرهابية .
   اليوم كل من أراد التسويق لشخصه أو لمؤسستة إعلامية كانت أو غير إعلامية في الغرب - تحديداً - عليه أن يتوجه إلى الإسلام والمسلمين بالإساءة والطاول عامداً متعمداً ساعياً للاستفزاز والتحريض، فكلما ازداد عداؤنا لهذه المطبوعة أو تلك المؤسسة الإعلامية كلما اقترب القائمون عليها من كسب ود ومحبة الشارع الغربي ومن لا يرى في كل شخص سوى صورة ارهابي، وتأكيداً لكلامي أجد أن الصحيفة الفرنسية التي أعادت نشر الكاركتير كانت تسعى لذلك، ولكنني أرجع إلى أصل المشكلة ألا وهو ما الذي بدر من العالم الإسلامي تجاه أية دولة اسكندنافية ليمارس بحقنا هذا العمل حتى لو أريدت منه الشهرة ؟
  أما المضحك المبكي أيها السادة الكرام فهو التبرير السخيف للقائمين على الصحيفة وكبار المسؤولين السياسيين الدنماركيين بأن ما حدث يدخل ضمن (حرية التعبير) و (حق الصحيفة في النشر) ذلك التبرير الذي اعتبره شخصياً إساءة أخرى لنا وسخرية حقيقية من عقولنا وفهمنا للمعنى الحقيقي لـ(حرية التعبير) الموجودة في أوروبا تحديداً، فتلك الحرية التي يتحدثون عنها حرية منضبطة ومسؤولة في أوروبا محمية بالقوانين والتشريعات التي تعرض أي شخص أو جهة تحاول التعدي عليها أو الخروج عنها للمحاكمة والمساءلة الأشد قسوة وإيلاماً في أحكامها الجزائية الرادعة تجاه مرتكبيها في تلك القارة مقارنة بباقي دول وقارات العالم الأخرى، وللعلم فقط إزدادت تلك القوانين تشدداً ورصداً من قبل الغرب والاتحاد الأوروبي - تحديداً- بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لأي إشارة قريبة أو بعيدة تحرض على العداء للأديان ولكن المراقبة الدقيقة المستمرة كانت يا (سادة يا كرام) على المؤسسات الإسلامية والعربية الإعلامية، وحتى الخيرية، وعلى تصريحات رجال الدين.. وغيرهم من خلال الشبكة العنكبوتية، والفضائيات والصحف الورقية.. أما هم وما يقال ويذكر من قبلهم تجاهنا من شتم وقذف وسب وتعد على الأديان وتحريض على المنتمين لها وإساءة لرموزها يعتبر (حرية رأي) و (حرية تعبير) لا غبار عليه .
   أقول بعد أحدا الحادي عشر من سبتمبر أخذت تلك المطالبات بعداً غير طبيعي أو غير مسبوق في العالم الغربي وبطنت بالعديد من أشكال وصور التهديد والتلويح بالعقوبات للدول الإسلامية في حالة حدوث تصريحات وتحمل نوعاً من التحريض على الأديان والثقافات والحضارات، أو تنادي برفع شعارات الكراهيةـ وأي نوع من دعوات عنصرية أو دعوات للظلم، بمعنى العمل على الوقوف في وجه أن تستغل الحرية ضد الحرية، لقد كان ذلك شعاراً عملياً ومعنوياً غربياً في السنوات الأربع الأخيرة، وبالتالي فإن السماح بمثل هذه التعبيرات في هذا الجو العام المشحون يهدد السلم والأمن العالميين، ويعطي منطلقاً لنداءات ودعوات وشعارات المتطرفين والأصوليين على ضفتي النهر، وهذا ما يحاول أن يشرع له ويبرره العديد من سفراء دولة الدنمارك - بوعي أو بغير وعي - عندما يقولون لنا إن ذلك يدخل في نطاق (حرية التعبير) ولا سيطرة لنا على التحريض على الأديان السماوية والإساءة لرموزها .
  إنني على ثقة تامة ومطلقة بأن (السفراء الدنماركيين) والسيد (رئيس الوزراء الدنماركي) لو حاولت إحدى المطبوعات الدنماركية مناقشة حقيقة محرقة (الهولوكوست) لأقاموا الدنيا وأقعدوها على تلك المطبوعة، واتهموا القائمين عليها بجرم العداء والتحريض على السامية، ولكانوا يتقاطرون تباعاً على شاشات التلفزة للاعتذار لدولة اسرائيل ولليهود منذ اللحظة الأولى.. ولأنهم لا يرون في اعتذاراتهم الراحة والخلاص لـ(ضمائرهم) من آلام التأنيب والتعذيب تجاه تلك المحاولة التشكيكية بصحة تلك المحرقة .. لذا سيقومون على الفور برفع قضية ضد الجريدة لردع أي محاولة تكرار مستقبلية ولو اتسدعى ذلك أن يدفعوا نفقات المحامين من رواتبهم الخاصة.. كما سيطالب القادة الدنماركيون بأنفسمهم (قادة العالم المتحضر الحر) بإدانة ما قامت به تلك المطبوعة الدنماركية.. والأهم من ذلك كله أن مصطلح (حرية التعبير) سيشطب، ويلغى من قواميس الدبلوماسية الدنماركية في تلك الحالة لأنها حالة لا تخص الإسلام والمسلمين.
   وبالعودة إلى تلك المطبوعة والرغبة في الاشتهار والترويج لذاتها عبر الإساءة والتحريض على كراهية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أقول إنه استخدام غير محسوب للحرية وقلب للطاولة في وجه الحرية ذاتها، وتسبب في إعطاء مد وزخم هائل للأصوليات الدينية والعرقية في العالم، كما أنه يوفر لها مبررا عند الأفراد ليعودوا إلى ساحة الفعل بأقوى مما هي عليه، وكل قارئ للتاريخ يعلم ما يمكن أن ينتج حين يترك الفعل لهذه الأصوليات التي لا تعرف في منطقها سوى القضاء على الآخر ولا تعرف لغة سوى لغة الدم والدمار .
   كما أنني ألفت انتباه سفراء دولة الدنمارك الذين يتفقون معي إلى أن إرث الصراع الديني أختفى إلى حد ما ظاهرياً على الأقل، ولكن ما قامت به الصحيفة من إثارته، وإعادته إلى الساحة ورفض الاعتذار في البداية كان تغذية مستمرة ظاهرة ومستترة مزودة بالتاريخ والأيديولوجيا لهذا الصراع، ولقد ظهرت ملامحه جلية في تلك الاستفتاءات التي أكدت على رفض الشارع الدنماركي تقديم الصحيفة أي اعتذار، وصحيح أن الخطابات والاعتذارات الرسمية التي جاءت متأخرة تتبرأ من هذا المنطق، ولكن الدعوة للمظاهرة ضد الإسلام والقرآن من قبل الشعب الدنماركي في العاصمة (كوبنهاجن) أثبتت أن المبادئ الإنسانية والسلم والتعايش لا زالت أكثر هشاشة خصوصاً مع المحيط العربي الإسلامي، وبالتالي أجد أن ما حدث يصب في مصلحة المتطرفين الأكثر عداءً للحوار بين الأديان، وتقريب وجهات النظر بين الشعوب المختلفة دينياً المشتركة إنسانياً، لأن هذا الأمر على وجه الخصوص يهدد وجودهم ويسحب البساط من تحت أرجلهم .
   أما الأمر الآخر الذي يتفقون جميعاً عليه فهو أن الحريات الدينية إحدى المنجزات الغربية التي أكدت وتؤكد حدين أساسيين: الأول: أن لكل فرد الحق في اعتناق الدين الذي يريده. أما الثاني: أن ليس لأحد أن يجبر الآخر على اعتناق دين معين وليس له الحق أيضاً في الانتقاص أو السخرية من دين أو معتقد الآخر. هذه المبادئ وإن كانت مترسخة دستورياً وعملياً إلا أن ما عبرت عنه تصريحات البعض منكم أكدت على إيمانكم بعكس ذلك خصوصاً إذا تعلق الأمر بالإسلام ورموزه .
   أما كلمتي لأبناء الامة الإسلامية في هذه القضية، المسألة الحساسة والهامة التي حظيت باهتمام العالم أجمع هذه الأيام أضعها بصيغة التساؤل التالي : لماذا التطاول والاستهزاء دائماً بأمة الأسلام فقط دون غيرها من الأمم ؟ وهي الأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، حيث قال تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) الآية 110 سورة آل عمران، وهل أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصلت من الضعف والوهن إلى هذا الحد لكي يتطاول عليها كل من هب ودب وكل ناقص عقل ودين لتحقيق مأرب في نفسه، وليظهر للعالم بأنه قوي وأنه رقم مؤثر في خارطة العالم لأنه استطاع التهجم على الأمة الإسلامية لينال رضى واستحسان الغرب والمنظمات الصهيونية والقوى المعادية للأمة في العالم، وبذلك يكون قد حققمكاسب دنيئة على حساب الأمة الإسلامية.
   إن هذه الحادثة الأليمة وغيرها من الحوادث المشابهة المؤسفة مؤشر خطير ودلالة قاطعة لنا على أن واقعنا الحالي الذي وصلنا إليه ووضعنا الراهن يبرهن بأننا أصبحنا من المستضعفين في الأرض، ولقمة سائغة للجميع يلتهمها كيف ومتى ما شاء، وأننا أمة ضعيفة في أعين الآخرين ولحق بنا من الفرقة والشتات والوهن والضعف بتناحرنا وقتلنا لبعضنا البعض، وبتجاهلنا للمبادئ والقيم التي دعانا لها سيد الخلق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كمن "قدم اللحمة للقط" فنحن الذي قدمنا اللحمة للقط بسبب بعدنا عن أسباب القوة والمنعة فيدلاً من أن نكون قدوة واحدة متماسكة ومتعاونة ومتعاضدة أصبحنا نعيش في حالة فرقة دائمة وحروب مما جلب وسهل الاعتداء علينا من كل صوب .
   إن هذا الوضع المزري لحالة الأمة الإسلامية اليوم يقودنا إلى ضرورة العودة إلى الأسس والثوابت والقيم التي قام عليها ديننا الإسلامي الحنيف، والتي علمنا إياها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن الإصلاح لمواجهة كافة التحديات والتغلب على الصعاب والعقبات والأزمات التي تعترض مسيرة هذه الأمة لن تتحقق إلا من خلال اتباع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، واقتفاء أثر السنة النبوية المطهرة لأنه لا صلاح لحال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولذلك لا بد لنا من التقيد بتعاليم الدين الاسلامي جميعها لأنه دين الفصل وليس بالهزل ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والتأسي بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - المطهرة والاستفادة من الدروس والعبر في هذه المسيرة العطرة لأفضل خلق الله حتى يتحقق لنا التراحم والتضامن والتكافل والتعاون والتواصل والتناصر فيما بيننا في كافة أرجاء المعمورة .
   ورغم دعمي وتأييدي التام لحملة المقاطعة الاقتصادية الواسعة للمنتجات الدنماركية التي سادت جميع الدول العربية والإسلامية لنصرة الرسول الكريم الذي يجب علينا نصرته وتعزيزه وتوقيره وقبول ما جاء به من عند الله الأمر الذي أعاد الأمل بتضامن هذه الأمة على كل ما يجرح كرامتها ويسيء إلى قيمها الإسلامية الثابته، ولأنها تمثل كذل ورقة ضغط على الحكومة والصحيفة الدنماركية لتقديم الاعتذار الرسمي للأمة الاسلامية وهذا ما تحقق، إلا أنني أطالب في الوقت ذاته بضرورة تطبيق تعاليم الدين الاسلامي التي بلغها سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو خير من أدى الرسالة وبلغ الأمانة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، والاستفادة مما زخرت به السيرة النبوية من دروس وعبر وصبر وحكمة وتعاون على البر والتقوى لتعود لنا العزة والمنعة والقوة ولنتمكن من مواجهة مثل هذه الأعمال الآثمة بكل قوة وحزم والتصدي للتحديات العالمية الراهنة والتيارات المضادة التي تحاول النيل من مقدرات هذه الأمة ولكي نضرب أيضاً أروع الأمثلة في العالم بأننا حقاً خير أمة أخرجت للناس وأمة الوسطية والعدل والإنصاف استجابة لقوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) الآية 143 سورة البقرة .
   ولإصلاح الأمة الإسلامية والإحسان إليها لا بد لنا من دراسة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والتعمق في فقهها وفهم دروسها وربطها بالأجيال المسلمة وجعلها القاعدة الصلبة في إقامة المجتمع المسلم المثالي المبني على طاعة الله ورسوله وعلى التعاون والمحبة بين المسلمين جميعاً، لا سيما أن سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام تحمل معاني عظيمة، وتعد مدرسة متكاملة ينبغي الاستفادة منها والتأسي بها استجابة لقوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيْ رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الآية 21 سورة الاحزاب . فقد ضرب لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم -  أروع الأمثلة في التعامل مع الاعداء، ومن قرأ سنة الرسول الكريم القولية ممثلة في الأحاديث النبوية أو سنته العملية ممثلة في تعامله مع أصحابه الكرام وأعداء الإسلام يدرك جيداً كرم الرسول، ففي الحديث الذي روته السيدة عائشة - رضي الله عنها - خير دليل على ذلك فقالت : استأذن رهط من اليهود على النبي فقالوا للنبي : السام عليك، فقلت : بل عليكم السام واللعنة، فقال الرسول : يا عائشة : إن الله يحب الرفق في الأمر كله. قلت : أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال قلت : وعليكم .
   فهؤلاء اليهود من سوء أدبهم لووا ألسنتهم، وحرفوا الكلام، بدلاً من أن يقولوا : اسلام عليك. قالوا السام، أي الموت والهلاك، ولكن الرسول الكريم من حسن أدبه وعظمة خلقه، لم يرد أن يجعل من ذلك معركة، بل رد بهذه الكلمة النبيلة قائلاً : (وعليكم) أي الموت مكتوب على كل البشر، علينا وعليكم، ثم علم السيدة عائشة هذا الأدب الرفيع، أدب الرفق في التعامل حين قال لها :(يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) فهكذا كانت أخلاق الرسول في التعامل حتى مع ألد الأعداء لأنه يحمل رسالة إلى الجميع عنوانها الهداية وإنقاذ البشرية من الظلمات إلى النور وإصلاح الإنسانية جمعاء حيث قال تعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الاية 28 سورة سبأ .
   وحدثتنا السيرة كذلك عن حسن خلق الرسول وأدبه وكرم خصاله ونبل شمائله عندما تعرض في الطائف إلى العذاب، وكان ذلك من أشد الأيام عليه حتى أن وصف ذلك اليوم بأنه أشد عليه من يوم (أحد) الذي قتل فيه (70) من الصحابة وكسرت رباعية الرسول - صلى الله عليه وسلم- وشج رأسه عندما دعا أهل (الطائف) إلى الإسلام ولم يستجيبوا له وقاموا بضربه وتعذيبه أشد العذاب حتى جاءه جبريل عليه السلام وقال له الآن يأتيك ملك الجبال فمره بما شئت، فقد جاء ملك الجبال عليه السلام فيقول : إن الله أمرني أن أطبق عليهم الأخشبين (أي الجبلين الكبار في الطائف) إلا أن الرسول رفض ليقول : لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله أو يوحده، وقد حدث ذلك حيث خرج من الطائف أجل وأفضل أصحابه .
   وأؤكد أننا في أمس الحاجة للاستفاذدة من تلك الدروس والعبر القيمة التي استفاد منها سلف هذه الأمة، إذ لا عز لنا إلا بالعودة إلى الله تعالى والتمسك بشريعته وتطبيقها خير التطبيق بكل عدل وإنصاف لقوله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) الاية 2 سورة المائدة، ولأننا من خلال تقيدنا بتعاليم شرع الله سنقدم للعالم أجمع قيماً حضارية جليلة ومبادئ سامية تساهم في تخليص شعوب الدنيا من التخبط ومعالجة العديد من قضايا الانسانية المتمثلة في السلم والأمن والاستقرار وقضايا الفقر والأمراض وحقوق الأنسان، حيث قال تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) الايتات 3 و 4 سورة قريش . فكل استراتيجيات الدنيا ومؤتمرات العالم تهدف إلى تحقيق السلم والأمن والدوليين ومعالجة الجوع والفقر، فترى كيف عالج الإسلام هذه المشكلات عندما ربطها بالعبادة الخالصة لله عز وجل رب البيت العتيق .
  وأدعو جميع المسلمين إلى الاجتهاد في تعريف جميع البشرية بالاسلام والتفاني في نشر الدين الاسلامي وتعاليمه السمحاء، وما جاء فيه من منافع عظيمة للإنسانية وأن يدافعوا عن مبادئه القيمة بكل غال ونفيس، لأنه خاتم الرسالات ودين عالمي جاء لعموم البشر أبيضهم وأسودهم، عربهم وعجمهم وأنه دين رحمة للعالمين يقدم الخير للبشرية حيث قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الاية 107 سورة الانبياء. والإيمان بكتابة المطهر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتهد الله بحفظه من التغيير والتبديل ليبقى مشعلا مضيئاً تستهدي به البشرية في مسيرتها الدائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الاية 9 سورة الحجر.
   وإنني على يقين أن إيمان المسلمين بعالمية دينهم وتطبيق أحكامه في كافة مجالات حياتهم ومعاملاتهم اليومية وعلاقاتهم مع الآخرين بما فيها علاقاتهم الدولية بمنحهم حصانة وقوة ومنعة وحماية من دعوات التمييز والكراهية التي تستهدف الدين الإسلامي والنبي العظيم الهوية الحضارية للإسلام وأبناء هذه الامة الذين يواجهون حالياً الاضطهاد والتفرقة وانتهاك حقوق الإنسان باسم محاربة الإرهاب العالمي.
   وعلينا أن نوضح للعالم أجمع مبادئ الإسلام في الخير والرحمة والتعاون والعدل وأن نبين الحلول التي جاء بها الدين الاسلامي لمواجهة الموبقات وتفشي المخدرات والانحلال الخلقي الذي يخل بالأمن الاجتاعي للشعوب مع ضرورة إبراز الجانب الأخلاقي في الإسلام والتعريف به وترسيخ مبادئه وقيمه التي على رأسها أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل ليتمم مكارم الأخلاق، ونقل جميع هذه المعاني والقيم إلى العالم الخارجي في شكل صور ونماذج وأمثلة رائعة تساهم في جذب الشعوب الأخرى إلى الإسلام لتفادي حملة العداء المستعرة على الإسلام .
  وختاماً .. أدعو الله العلي القدير أن يعز دينه، ويعلي كلمته ونصر الإسلام وأهله، ويجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، ويؤلف بين قلوب المسلمين، ويدفع عنهم أسباب التحلل والانحراف والفتن ما ظهر منها وما بطن ويخزي أعداء الله ورسوله الذين توعدهم في قوله حيث قال تعالى: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) الاية 95 سورة الحجر، وقال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الاية 61 سورة التوبة . وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) صدق الله العظيم (الاية 57 سورة الاحزاب) .


حفيد الجدين
تركي بن بندر
4 فبراير 2006
   

هناك تعليق واحد: