الاثنين، 9 أبريل 2012

السعودية..وأسباب عودة الخوارج «2-3»



في الحلقة السابقة أشرت إلى أن الخطاب الديني السعودي المسيس أشعل الشارع على مرأى ومسمع الجميع وذلك بوجود مؤامرة عالمية كبرى تستهدف المنطقة برمتها تقودها أمريكا من خلال توريط (صدام حسين) ونظامه البعثي في غزو (الكويت) وذلك من أجل الوصول إلى منابع النفط، والبقاء في الأراضي السعودية بشكل دائم للهيمنة على المنطقة بكاملها ، فقد كانت أبرز طروحات هذا التيار الذي أستخدم المنابر والكتب والمحاضرات الدينية المباشرة والمسجلة على أشرطة الكاسيت للتسويق لقناعاته المطلقة بالمؤامرة مستشهداً بأن التدريب للقوات الأمريكية في صحراء (لاس فيغاس ـ نيفادا) في عام (1982م) كان الهدف منه استعداداً لعمليات عسكرية حقيقية بذات مواصفات بيئة صحراء (لاس فيغاس)،وان رد السفيرة الأمريكية في العراق (أبريل غلاسبي) بأن الإدارة الأمريكية لن تتدخل في الخلافات العربية - العربية وغير ذلك من قصص وإستشهادات كانت تروج في الشارع السعودي كان لها أثر كبير في ذهنية الجماهير السعودية أكثر بكثير من أي خطاب رسمي حكومي،كما أن الإعلام السعودي الرسمي لم يكن حيوياً في التحول من جموده والتفاعل بشكل أفضل بمخاطبة الرأي العام بالتفسير والشرح برسائل إعلامية أكثر احترام لذهنية المواطنين المتابعين بنهم وشغف للإذاعات الدولية الناطقة باللغة العربية لينقسم الرأي العام السعودي تجاه سلامة وصحة قرار الحكومة باستدعاء قوات التحالف الدولي على أراضيها خصوصاً بين شريحة الشباب المتحمسين والمتعطشين للإشباع الفكري والتوجيه والرعاية وضبط ما في دواخلهم من صراعات في أين يكمن الحق ومع من؟ نعم من هنا بدأ التحول الفكري في موقف العديد من جماعات الشباب المتدين وطالبي العلم ،وكذلك المجاهدين السعوديين العائدين من أفغانستان في رؤيتهم وموقفهم من الدولة وقرارها، كما أطلق لأول مرة بعض المشايخ الذين لهم أتباع البعيدين عن محيط هيئة كبار العلماء فتاوى ومواقف مفسرة ضد الدولة وقرارها معتبرين أنفسهم غير ملزمين بإجتهادات الآخرين من العلماء الذين وصفوهم بأنهم علماء السلاطين. كل ذلك كان يحدث على الساحة الاجتماعية والفكرية الدينية السعودية في غياب أي دور رسمي لضبط إيقاع هذه التحولات الجسيمة والحد من توظيف الآخرين للظروف واستغلالهم لها لتحقيق أهداف ومشاريع خاصة بهم .

كما جاءت إذاعتا (مكة المكرمة) و(المدينة المنورة) التي تبث من (بغداد) كنوع من الحرب النفسية تحرض الشعب السعودي ضد الحكومة وتتحدث عن احتلال أمريكي للسعودية ،وكذلك إعلام بعض الدول المحيطة بالمملكة أو ما يسمى بدول الضد ـ حسب التصنيف الكويتي - لتحرض الشارع السعودي وتحثه من زاوية عقيدته الدينية وتمسكه بها والحفاظ عليها ، فمثلاً شاعت روايات لا أساس لها من الصحة: أن المجندات الأمريكيات يحرسن الحرم المكي والمدني وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ..وان هؤلاء الجنود يعيثون بالأرض المقدسة فساداً..وأن هناك احتفالات وصلوات دينية بمناسبة رأس السنة الميلادية وشرب للمسكرات ورقص على الأراضي السعودية .. وغيرها من القصص والروايات التي هيجت المشاعر وأججتها لدى الشباب الملتزم والمتدين من أبناء المجتمع السعودي بطبيعة الحال.
كما جاءت ضبابية موقف هيئة كبار العلماء، وانقسام بعض العلماء السعوديين حيال الموافقة وجواز الاستعانة بالآخر من غير المسلمين لقتال الجار المسلم أزمة حادة داخلية لدى الشارع السعودي.

كما وحد التيار الديني المتحفز بطبيعة الظروف قيام مجموعة من النساء المتعلمات والدارسات في الخارج من السعوديات بقيادة السيارة في مدينة (الرياض) فالتيار الديني على كافة مستوياته لم يقبل ما حدث وشعر بخوف وتهديد مباشر لوجوده ومكتسباته وان هناك انقلاباً جذرياً عليه يتطلب الوقوف بحزم قوي واستعداد للمتغير المجهول القادم.

إن الكاتب من باب الموضوعية والدقة لسلامة القراءة والمراجعة يتحفظ على طرح العديد من الأساتذة الباحثين والمراقبين المهتمين السعوديين والقادة الأمنيين القائمين على ملف الإرهاب وتنظيم القاعدة السعودي حيال تهميش انعكاسات غزو العراق للكويت ، فالتحول الجذري والصدام في المواقف بين المجاهدين العائدين من أفغانستان والحكومة السعودية ومن ثم إطلاق شرارة العمليات وشرعنتها (من حيث المكان ، الزمان ، النوعية) كان منذ تلك الأيام فالكل يعرف تماماً أن غالبية المجاهدين السعوديين وعلى رأسهم أبن لادن - الذي عاد من الجهاد وأقام في مدينة جدة - ممتنين للمملكة لوقوفها المشرف في دعم دولة إسلامية (أفغانستان) لمحاربة وطرد الجيش الأحمر السوفيتي الملحد المحتل. ثم تابع هؤلاء جميعهم المحاولات الجادة السعودية للتوفيق بين الأطراف الأفغانية المتناحرة والتي دخلت في حرب طاحنة مع بعضها البعض ، كما شاهد الجميع ، المؤتمرات التي عقدت على الأراضي السعودية (مؤتمر مكة) للجمع بين الفرقاء الأفغان تحت إشراف ورعاية المكتب الخاص لرئيس الاستخبارات السابق الأمير تركي الفيصل الذي كانت وزارته تتولى هذا الملف ،والسفير السعودي في أفغانستان الفريق المتقاعد من ذات المؤسسة الأمنية الفريق الركن/ محمد بن عيد العتيبي ، ولكن كافة جهود (الفيصل) والسفير(ابن عيد) لم تفلح لأسباب لا يتسع المجال لذكرها هنا وان كان أبرزها اتساع هوة الخلاف بين القادة الأفغان والذين كانوا أدوات في أيدي بعض الحكومات والدول خاصة المحيطة بأفغانستان .

لذا ومن باب الموضوعية والدقة علينا الاعتراف أن شرارة التحول في العلاقة بين جماعات العائدين من الجهاد وعلى رأسهم (ابن لادن) والحكومة السعودية كان بأسباب (غزو العراق للكويت) وهنا يود الباحث التأكيد على بداية عودة (الخوارج) إلى العمل المسلح ضد المملكة العربية السعودية تحت شعار (اخرجوا المشركين من جزيرة العرب) فكانت التفجيرات الأولى لهم في مبنى يقطنه مدربين أمريكيين يعملون متعاقدين مع الحرس الوطني بحي(العليا) بمدينة (الرياض) وهذا قبل نشوء حتى تنظيم القاعدة .

كما أنني لا أتفق مع المسمى الأمريكي والغربي بشكل عام على إطلاق مصطلح (إرهابيين) عليهم بل مصطلح (الخوارج) هو الوصف الأدق الأقرب والأنسب لهم لأن طبيعة منطلقاتهم وتوجهاتهم الفكرية وعقيدتهم وقناعاتهم التي تقول بالخروج على ولي الأمر وإجماع المسلمين مشابهة تماماً لما حدث عام (657م) عندما خرجت مجموعة من المسلمين على (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه ومن هو (علي) ؟ انه ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد المبشرين، وأول فدائي بالإسلام، وقد كفروه وخرجوا عليه ،وقتلوه فما بالنا نستغرب خرجوهم اليوم على ولاة الأمر وجماعة السلف الصالح مع إطلاقهم لمشاريع تكفيرية على كل من يقف في طريقهم وتوجههم.

لقد كان الخوارج قومـًا ذوي عبادة ربما فاقت في بعض صورها عبادة الصحابة ،ولكنهم مع ذلك ضلُّوا سبيل الهدى لما ظنوا أنهم أعلم من الصحابة ، وقد اتفقت كلمة الأمة على ضلالهم ووجوب قتالهم.

وبدعة الخوارج هي المثل الواقعي الحيّ على أن الإخلاص وحده لا يكفي في صحة العمل ، وصلاح المنهج ؛ بل يلزم مع الإخلاص متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدم الخروج على فهم السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين .

تعتبر بدعة الخوارج أول بدعة حدثت في الإسلام ، قال الإمام ابن تيمية : كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع «الخوارج المارقون» وقد صح الحديث فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه أخرجها مسلم في صحيحه ، وخرج البخاري منها غير وجه، وقد قاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه ولم يختلفوا في قتالهم.

والخوارج جمع خارج، وهو الذي خلع طاعة الإمام الحق، وأعلن عصيانه، وألب عليه ؛ بعد أن يكون له تأويل ، وعلماء الشريعة يسمونهم بغاة ، ومن مسمياتهم أيضـًا :الحرورية : لنزولهم في مكان يسمى حروراء بعد انفصالهم عن جيش سيدنا على رضي الله عنه .

النواصب : لمناصبتهم العداء لسيدنا عليٍّ رضي الله عنه ومن معه.

الحكمية : لقولهم بعد التحكيم لا حكم إلا لله .

المارقة: لمروقهم من الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميَّة .

أما جذور بدعة الخوارج وأول الخوارج وأصلهم وأقبحهم حالاً هو (ذو الخويصرة التميمي) الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اعدل ، أو قال : اتق الله يا محمد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يطع الله إن عصيته ؟ أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنونني ؟ ثم أخبر أنه يخرج من ضئضئه (ذريته) الخوارج كما في صحيح الإمام مسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم عندما هم عمر بن الخطاب قتل أحدهم: [دَعْهُ فإن لهُ أصحَابـًا يَحْقِرُ أحدُكُم صلاتـهُ مع صلاتهم وصِيامَهُ مع صيامهم ، يقْرؤون القرآن لا يجاوزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُون من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ ؛ يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ (حديدة السهم) فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ ، ثم يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ (مدخل النصل من السهم) فلا يُوجدُ فيه شيءٌ ، ثم يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ ـ وهو القدح ـ ثم ينظر إلى قُذَذِهِ ـ ريش السهم ـ فلا يوجد فيه شيءٌ ،سبق الفَرْثَ والدم ، آيَتُهُم رجلٌ أسودُ إحدى عَضُدَيْهِ مثلُ ثَدي المرأة ، أو مثلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ ، يَخْرُجُون على حِينِ فُرْقَةٍ من الناس].

قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد ، فأُتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت .

أما خروجهم على عليٍّ رضي الله عنه قال ابن الجوزي : فهذا أول خارجي خرج في الإسلام وآفته أنه رضي برأي نفسه ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله ، وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وذلك أنه لما طالت الحرب بين معاوية وعلي رضي الله عنهما رفع أصحاب معاوية المصاحف ودعوا أصحاب علي إلى ما فيها وقال : تبعثون منكم رجلا ونبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله عز وجل ، فقال الناس قد رضينا فبعثوا عمرو بن العاص فقال أصحاب علي : ابعث أبا موسى ، فقال عليّ : لا أرى أن أولي أبا موسى هذا ابن عباس قالوا لا نريد رجلا منك فبعث أبا موسى وأخر القضاء إلى رمضان فقال عروة بن أذينة : تحكمون في أمر الله الرجال لا حكيم إلا الله ورجع عليّ من صفين فدخل الكوفة ولم تدخل معه الخوارج فأتوا حروراء فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا وقالوا لا حكم إلا لله ، وكان ذلك أول ظهورهم ، ونادى مناديهم أن أمير القتال شبيب بن ربعي التميمي وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكري ، وكانت الخوارج تتعبد إلا أن اعتقادهم أنهم أعلم من عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه وهذا مرض صعب.

قال عبد الله بن عباس (حبر الأمة) إنه لما إعتزلت الخوارج دخلوا دارًا وهم ستة آلاف وأجمعوا على أن يخرجوا على علي بن أبي طالب ، فكان لا يزال يجيء إنسان فيقول يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك فيقول دعوهم فإني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون ، فلما كان ذات يوم أتيته صلاة الظهر فقلت له يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي أدخل على هؤلاء القوم فأكلمهم فقال إني أخاف عليك فقلت كلا ، وكنت رجلا حسن الخلق لا أوذي أحدا ، فأذن لي فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمن وترجلت فدخلت عليهم نصف النهار فدخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا : جباههم قرحة من السجود ، وأياديهم كأنها ثفن الإبل ، وعليهم قمص مرحضة ، مشمرين ، مسهمة وجوههم من السهر فسلمت عليهم فقالوا مرحبا بابن عباس ما جاء بك ؟ فقلت : أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ومن عند صهر رسول الله وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم فقالت طائفة منهم لا تخاصموا قريشا فإن الله عز وجل يقول : (بل هم قوم خصمون) فقال اثنان أو ثلاثة لنكلمنه فقلت : هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله والمهاجرين والأنصار وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم أحد وهم أعلم بتأويله قالوا: ثلاثا، قلت: هاتوا قالوا: أما أحداهن فانه حكم الرجال في أمر الله وقد قال الله عز وجل : (إن الحكم إلا لله) فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عز وجل ؟ فقلت : هذه واحدة، وماذا؟ قالوا: وأما الثانية: فإنه قاتل وقتل ولم يسب ولم يغنم، فإن كانوا مؤمنين فلم حل لنا قتالهم وقتلهم ولم يحل لنا سبيهم؟ قلت : وما الثالثة ؟ قالوا فإنه محا عن نفسه أمير المؤمنين فإنه إن لم يكن أمير المؤمنين فإنه لأمير الكافرين قلت : هل عندكم غير هذا؟ قالوا: كفانا هذا .

قلت لهم: أما قولكم حكَّم الرجال في أمر الله .. أنا أقرأ عليكم في كتاب الله ما ينقض هذا فإذا نقض قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم ، قلت: فإن الله قد صير من حكمه إلى الرجال في ربع درهم ثمن أرنب وتلى هذه الآية: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) إلى آخر الآية، وفي المرأة وزوجها: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) إلى آخر الآية، فنشدتكم بالله هل تعلمون حكم الرجال في إصلاح ذات بينهم وفي حقن دمائهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة فأيهما ترون أفضل ؟ قالوا : بل هذه. قلت خرجت من هذه؟ قالوا نعم .

قلت : وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم .. فتسبون أمكم عائشة رضي الله تعالى عنها؟!! فوالله لئن قلتم ليست بأمنا لقد خرجتم من الإسلام، ووالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين لأن الله عز وجل " قال النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم .

قلت : وأما قولكم محا عن نفسه أمير المؤمنين.. فأنا آيتكم بمن ترضون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين -أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو- فقال لعلي رضي الله عنه: اكتب لهم كتابا.. فكتب لهم عليٌّ : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله فقال المشركون: والله ما نعلم أنك رسول الله لو نعلم انك رسول الله ما قاتلناك. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اللهم إنك تعلم أني رسول الله امح يا علي هذا واكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله . فوالله لرسول الله خير من علي وقد محا نفسه.. قال فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فقتلوا .

واجتمعت الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينسبون إلى حكم القرآن أن تكون هذه الدنيا التي إيثارها عناء آثر عند من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق فاخرجوا بنا، ولقي الخوارج في طريقهم عبد الله بن خباب فقالوا: هل سمعت من أبيك حديثا يحدثه عن رسول الله تحدثناه؟ قال نعم سمعت أبي يحدث عن رسول الله أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول . قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك تحدثه عن رسول الله قال نعم.. فقدموه إلى شفير النهر فضربوا عنقه فسال دمه كأنه شراك نعل، وبقروا بطن أم ولده عما في بطنها وكانت حبلى، ونزلوا تحت نخل مواقير (بنهروان) فسقطت رطبة فأخذها أحدهم فقذف بها في فيه، فقال أحدهم: أخذتها بغير حدها وبغير ثمنها فلفظها من فيه ، واخترط أحدهم سيفه فأخذ يهزه فمر به خنزير لأهل الذمة فضربه به يجربه فيه فقالوا: هذا فساد في الأرض فلقي صاحب الخنزير فأرضاه في ثمنه.

فلما عاث الخوارج في الأرض فسادا ، وقتلوا عبد الله بن خباب وزوجته بعث إليهم عليّ رضي الله عنه أخرجوا إلينا قاتل عبد الله بن خباب فقالوا كلنا قتله ، فناداهم ثلاثا كل ذلك يقولون هذا القول فعند ذلك قال علي رضي الله عنه لأصحابه دونكم القوم فما لبثوا أن قتلوهم .

وقد روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن وهب الجهني: أنه كان في الجيش الذين كانوا مع عليٍّ رضي الله عنه ـ الذين ساروا إلى الخوارج ـ فقال عليٍّ رضي الله عنه : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [يَخرج قومٌ من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيءٍ، ولا صلاتُكُم إلى صلاتهم بشيءٍ، ولا صيامُكُم إلى صيامهم بشيءٍ، يقرؤون القرآن ويحسبون أنه لهم وهو عليهم ، لا تُجاوِز صلاتهم تَرَاقِيهم ـ المراد عدم انتفاعهم بالعبادة ـ يَمْرُقون من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهم من الرَّميَّةِ، لو يعلم الجيش الذين يُصيبُونهم ما قُضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لاتَّكَلُوا عن العمل، وآيةُ ذلك أن فيهم رجلاً له عضدٌ وليس له ذراعٌ ، على رأس عَضده مثل حلمة الثدي عليه شعراتٌ بيضٌ] فتذهَبُون إلى معاوية وأهل الشام وتترُكون هؤلاء يخلُفُونكم في ذرارِيكُم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغارُوا في سَرْحِ الناس ـ أي الأنعام التي ترعى ومن يرعاها - فسيروا على اسم الله "(صحيح مسلم).

قال سلمة بن كهيل (أحد رواة الحديث) : فنزَّلني زيد بن وهب منزلاً حتى قال : فمررنا على قنطرة ، فلما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح وسلّوا سيوفكم من جفونها ، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراءَ ، فرجعوا فوحشوا برماحهم ـ رموا بها عن بعد ـ وسلوّا السيوف ، وشجرهم الناس برماحهم ـ أي طعنوهم ـ قال : وقتل بعضهم على بعض ، وما أُصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ، فقال عليٍّ رضي الله عنه : التمسوا فيهم المُخدَج ـ الذي تقدم وصفه بأنه له عضد وليس له ذراع ـ فالتمسوه فلم يجدوه ، فقام عليٍّ بنفسه حتى أتى أُناسـًا قد قتل بعضهم على بعض ، قال : أخروهم ، فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ثم قال : صدق الله وبلغ رسوله ، قال : فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، آلله الذي لا إله إلاّ هو ، لسمعتَ هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، فقال : أي والله لا إله إلا هو ، حتى استحلفه ثلاثـًا وهو يحلف له .

أما قتلهم للإمام علي رضي الله عنه :فقد اجتمع عبد الرحمن بن ملجم بأصحابه وذكروا أهل النهروان فترحموا عليهم وقالوا: والله ما قنعنا بالبقاء في الدنيا شيء بعد إخواننا الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلوا أنا شرينا أنفسنا لله والتمسنا غير هؤلاء الأئمة الضلال فثأرنا بهم لإخواننا وأرحنا منهم العباد ، وانتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، وعمرو ابن بكر التميمي فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا لنقتلن هؤلاء الثلاثة (عليا) و(معاوية) و(عمرو بن العاص) ونريح العباد منهم، فقال ابن ملجم: أنا لكم بعلي ، وقال البرك: أنا لكم بمعاوية ، وقال عمر: وأنا لكم بعمرو فتواثقوا ألاّ ينقض رجل منهم رجلا عن صاحبه .

فقدم ابن ملجم الكوفة فلما كانت الليلة التي عزم على قتل عليٍّ رضي الله عنه فيها خرج علي رضي الله عنه لصلاة الصبح فضربه فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه فقال علي رضي الله عنه لا يفوتنكم الرجل فأخذ ، فقالت أم كلثوم : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين .

فلما مات علي رضي الله عنه أخرج ابن ملجم ليقتل فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم فسمل في عينيه بمسمار محمى فلم يجزع فجعل يقرأ :{اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق} حتى ختمها وإن عينيه لتسيلان، فعولج على قطع لسانه فجزع فقيل له لم تجزع؟ فقال أكره أن أكون في الدنيا مواتا لا أذكر الله.. وكان رجلا أسمر في جبهته من أثر السجود .

حرصت من إسهابي في عرضي السابق لتاريخ نشأة (الخوارج) ومسمياتهم، وطبيعتهم تدينهم الربط بين خوارج وقتنا الحالي الذين يرفعون شعارات كلها دينية يفادون بها أرواحهم واعز ما يملك الإنسان فهذا (ابن ملجم) حتى أثناء تنفيذ عبد الله بن جعفر للقصاص فيه كان يقرأ القرآن فالواحد منا كما ذكر الحديث الشريف يَحْقِرُ صلاتـهُ مع صلاتهم وصِيامَهُ مع صيامهم ، يقْرؤون القرآن لا يجاوزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُون من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّةِ،وهذا ماحمله مشروع (ابن لادن) الأممي. لذا لا أتفق مع إطلاق تسميتهم بالإرهابيين كما يدعوا لذلك (جورج بوش) والغرب بعمومه ،كما أدعوا إلى العودة والاستفادة من تاريخنا الإسلامي في معالجة ظاهرتهم والعمل على عودتهم إلى صوابهم ورشدهم بكافة الطرق الأنسب من ترغيبية أو ترهيبية.

وللحديث بقية..

تركي بن بندر

20 يناير 2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق